Wednesday, September 24, 2008

فاتحة الفتوحات، أو غزوة بدر الكبرى

عبدالغني محمود
مقالات ذات صلة
تاريخ الإضافة: 24/09/2008 ميلادي - 25/9/1429 هجري
زيارة: 6

--------------------------------------------------------------------------------

ما أروعَ تسميةَ المواقع الحربية على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم بالغزوات... فالواضح من نتائجها وآثارها وطابعها وشعارها أنها غزو لعقول العباد في هذه البلاد بالحكمة والرأي السديد وبمنطق القرآن الرشيد... تدعيمًا لخير البشرية، وإرساء لقواعد الخير والإنسانية، وتحريرًا للعقول من ظلمات الشرك والجاهلية.

أما إذا ركبت الجماعات رأسها باطلا، وتحكمت قوى الشر والبغي ضلالة وزودًا وبهتانًا وعنادًا وإصرارًا على العدوان، فقد حل القتال وهو كره؛ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39].
إِذَا لَمْ يَكُنْ إِلاَّ الأَسِنَّةُ مَرْكَبًا فَلا يَسَعُ المُضْطَرَّ إِلاَّ رُكُوبُهَا


....... وما أروعَ فاتحةَ هذه الغزوات التي نعدها غزوًا لمسيرة التاريخ، فقد غيرت مجراه نحو الخلود (غزوة بدر الكبرى) وقد سميت بذلك نسبة لمكانها الذي شرفه الله بحدوثها فيه... وشاء الله تبارك وتعالى أن تكون اسمًا على مسمى؛ فهي بالنسبة لبقية الغزوات كالبدر بين بقية الشهب والنجوم والكواكب... وما كانت كبرى بالنسبة لعدد القوتين الضاربتين المتضاربتين فيها، ولا بالنسبة لزمانها الذي استغرقته، ولا بالنسبة للغنائم التي نتجت بعد إحصاء أنفالها... ولكنها كبرى لأنها سجلت صحيفة فاصلة لتحويل العالم أجمع من النقيض إلى النقيض... من الظلام إلى النور، ومن الظلم إلى العدل، ومن الهمجية إلى الحضارة، ومن البهيمية إلى المدنية، ومن الجاهلية إلى الإسلام.

فهي فاتحة الفتوحات، أو هي غزوة الإيمان... هي القتال المشروع والنضال المقدس، والفتح المبين، والإيمان المحصن، والنصر المؤزر، والزحف الغلاب، والبشرى المشجعة، والدفعة الفتية، والنفحة لإنقاذ البشرية من نير الوثنية، فقد صدق الله وعده، ونصر عبده وأعز جنده.
{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123].
{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ} [آل عمران: 126].

وقبل أن نتحدث عن بعض تفاصيل المعركة ينبغي أن نَلفت النظر والعقل والقلب إلى بعض عناصر دروس الإنسانية التي تجلت في هذه المعركة في مقدماتها، وفي أثنائها، وفي نهايتها، ونتائجها، لتكون مواضيع دراسة للعالم أجمع ، وكذلك نبراسًا وهديًا لنا نحن العرب... ما أحوجنا لدراستها في الوقت الذي نهيئ فيه جميع إمكاناتنا البشرية، وطاقاتنا المادية والتكنولوجية.... لملاقاة عدو الله والبشرية، بل أشد الناس عداوة للذين آمنوا... اليهود... الشعب الملعون في القرآن {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ التَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ العَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ} [آل عمران: 13].

تبلغ المسافة التي قطعها سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم على رأس أول جيش في الإسلام 165 كم، ما بين المدينة المنورة وبدر، ولم يكن معهم سوى سبعين بعيرًا يتعقبونها.

روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير -أي يتعاقبون- وكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فكانت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالا له: نحن نمشي عنك -ليظل راكبًا- فقال: "ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما....!".

المخابرات والعيون:
يوفد النبي بعض صحابته يتحسسون الأخبار فيخبرونه بنبأ المرأتين التين تطالب إحداهما الأخرى بدين فتستمهلها يومين إلى أن تحضر عير قريش فتستقي لها بأجر يسد عنها ما يبرأ ذمتها. ويحضر الإمام علي كرم الله وجهه من يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدد المشركين استنتاجًا عرفه الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم من نسبة عدد ما ينحرون يوميًا من الذبائح "الإبل"، كما يتوصل القائد الحربي السياسي أيضًا إلى معرفة الأسماء البارزة في جيش المشركين فيتخذ من أسمائهم ذريعة لاستثارة حماس المسلمين، إذ يقول صلى الله عليه وسلم: "هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ أكبادها"... وأخذ يشع على الجند من أساليب التوعية ليشعر الجند بحقيقة الموقف فيبصروا على ضوئه ما يفعلون حتى وثق من استعدادهم لهذا الامتحان المفاجئ والاختبار المباغت والابتلاء الشاق الفاصل، فكانت النتيجة.. نصر من الله وفتح مبين.

إجماع آراء أركان حرب الجيش:
ومع ما هم فيه، فحينما انعقد مجلس القيادة الجماعي، تعاقب المهاجرون والأنصار في إبداء الرأي والمشورة.

قام سيدنا أبو بكر الصديق فقال وأحسن، ثم قام سيدنا عمر بن الخطاب، فقال وأجاد، واستحث المسلمين على الطعن والنزال للحصول على إحدى الحسنيين: إما النصر وإما الشهادة، ثم قام سيدنا المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله! امض لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - مكان بأقصى اليمن - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه.

وقام أخيرًا زعيم الأنصار سيدنا سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله: قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضتَ بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن نلقى عدونا غدًا، إنا لصُبُر في الحرب صُدُق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله... ولعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله أمرًا غيره، فانظر الذي أحدث الله إليك، فامض، فصِل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وعاد من شئت، وسالم من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت.

دعاء العربي:
يحاول أبو سفيان أن يأخذ الحيطة لنفسه ولمن معه وما معه... فيحاول أن يعرف من أخبار القوم ليأمن الطريق على قافلته... وهو أعلم الناس بما لحق المهاجرين من أضرار مادية ونفسية، فأخذ يتجسس ويتحسس حتى علم أن اثنين من العرب أناخا بعيريهما عند التل، ثم استقيا في شن لهما، ثم انطلقا فأتى أبو سفيان مناخهما وتناول بعرات من فضلات الراحلتين ثم فتها فوجد فيها النوى، فقال: هذه والله علائف يثرب، وأدرك أنهما من جيش محمد بالقرب منه، فرجع إلى العير يضرب وجهها عن الطريق. شاردًا نحو الساحل... ونجا بمن كان معه... ولكنه لم يستطع التأثير في قريش للعودة دون قتال بعد أن أرسل لها ضمضمًا الغفاري يستنفرها للذود عن اللطيمة وعن شرف اللات والعزى.

القيادة الجماعية:
حينما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر بالعدوة الدنيا قال له الحباب بن المنذر في أدب ولباقة وكياسة ودبلوماسية: يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال الحباب: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نفور ما وراءه من القليب ونبني عليه حوضًا فنملؤه ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي. ونهض الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم بالقليب ففوره، وبنى حوضًا على القليب الذي نزل عليه فملئ ماء ثم قذفوا فيه الآنية.

عدم البدء بالعدوان:
ومع إجماع المهاجرين والأنصار على القتال... ومع ما لاقاه المهاجرون من عنت قريش وظلمها وتعذيبها لهم والحصار الاقتصادي ضدهم... لم يسمح رسول الله القائد الملهم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى... لم يسمح بالاعتداء {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، وقد بدأ الهجوم من جانب المشركين؛ إذ هجم الأسود بن عبد الأسد على الحوض الذي بناه المسلمون معاهدًا اللات والعزى ليشربن من الحوض أو يهدمنه أو يموتن دونه، فتصدى له حمزة بن عبد المطلب فضربه فلم يرتدع، فأجهز عليه قبل أن يبر بعهده على الأصنام، ثم ظهر بالاعتداء مرة ثانية في صورة صناديد الكفر ممثلين في أبطالهم الثلاثة عتبة وابنه الوليد وأخيه شيبة بن ربيعة يتحدون أبطال الإسلام وفرسانهم، فتصدى لهم حمزة بن عبد المطلب وابن أخيه علي كرم الله وجهه وعبيدة بن الحارث... فقتل المسلمون الكفرة، وعلى الباغي تدور الدوائر والبادي أظلم.

الإيثار والفدائية والحب في الله:
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقود المعركة من داخل المعركة ومن قلب المعمعة، ولكن الصحابة يجمعون على ضرورة بناء عريش أعلى الكثيب ليشرف منه ويوجه منه التعليمات ويتصل منه بالله يدعوه ويناجيه ويناشده النصر الذي وعده... وأخذًا بالأحوط إذا دارت الدائرة على المسلمين، والمفروض أن يقدروا جميع الحالات... فيجدد رسول الله الدعوة مع المسلمين وهم لا يقلون حبًا للرسول صلى الله عليه وسلم وبذلا في سبيل نشر الدعوة عن هؤلاء المقاتلين، ولو كان من بالمدينة يعلمون قتالا ما تأخروا وما تخلفوا. وكان هذا التخطيط: دليل إخلاص، وعمق، وإصرار على نجاح الدعوة.... دعوة الله.

وحدة الصف:
وحدة الهدف أمر مسلّم يؤمن بها جميع المسلمين ... ووحدة الصف في المعركة مثل وحدة الصف في الصلاة. استقامة الصف. سد الفرج. الاتجاه إلى الله، اتجاه مودع. عدم رضا الله عن الصف الأعوج. عدم التردد في إطاعة أوامر القيادة والإمامة، عدم التخلف عن الصف الأمامي. الجميع على قلب رجل واحد حتى إذا تحركوا فإنما يتحركون كالطود الشامخ المتماسك كالبنيان المرصوص أو كالجسد الواحد... فإذا استشهد أحدهم تخطاه من خلفه قائلا: سبقتني إلى الجنة.

وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ في اللهِ مَصْرَعِي


{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4].

شباب المعركة:
اثنان من فتيان الإسلام في ريعان الصبا وفخر الشباب، يقفان في صفوف المهاجرين، أحدهما عن يمين عبد الرحمن بن عوف والآخر عن يساره، فقال له أحدهما: يا عماه! أتعرف أبا جهل؟
فقال: نعم وما حاجتك إليه؟
قال: أُخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق وجهي وجهه حتى يموت الأعجل منا، قال ابن عوف: فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر وقال لي مثلها أيضًا... فلم يطل الوقت حتى نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس، فقلت: هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه... فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبراه، فقضى بسلبه لهما، وهما معاذ بن عمرو بن الجموح والآخر معاذ بن عفراء، وكان سنهما لا يعدو العشرين ربيعًا... رضي الله عنهما...

وعرض ابن عمر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ليكون ضمن صفوف المقاتلين وهو صبي يافع، فلم يقبله الرسول صلى الله عليه وسلم.

أراد سعد بن خيثمة بن الحارث أن يخرج للقتال مع أبيه. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج أحدهما فقط... فقال الوالد لابنه: إنه لا بد لأحدنا أن يقيم فأقم أنت مع نسائك. فقال سعد: لو كان غير الجنة لآثرتك به، إني أرجو الشهادة في وجهي هذا... فاستهما، فخرج سهم سعد، فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فاستشهد. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحرضهم وقال: والذي نفس محمد بيده؛ لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا، مقبلا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة. فقال عمير بن الحمام، أخو بني سلمة، وفي يده تمرات يأكلهن: بخ بخ، فما بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء، ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل وهو يقول:
رَكْضًا إِلَى اللهِ بِغَيْرِ زَادِ
إِلاَّ التُّقَى وَعَمَلِ المَعَادِ
وَالصَّبْرِ في اللهِ عَلَى الجِهَادِ
وَكُلُّ زَادٍ عُرْضَةُ النَّفَادِ
غَيْرَ التُّقَى وَالبِرِّ وَ الرَّشَادِ


رسم الخطة ثم الالتجاء إلى الخالق:
أشرف قائد المسلمين على تنفيذ تخطيط المعركة بنفسه، واطمأن إلى دقة تنفيذ هذا التكتيك العسكري المرسوم في المعركة كما هو مرسوم في صلاة الجماعة يتمرن عليه ويتمعن فيه المسلمون كل يوم خمس مرات. واطمأن الرسول القائد إلى رسوخ وثبات وارتفاع الروح المعنوية عند جماعة المؤمنين.... عقلها وتوكل... يناجي ويدعو ويلح ويستغيث... وترتفع وتتسامى روحه إلى أعلى عليين، إلى الأجواء العلوية السماوية التي يسمع فيها صريف الأقلام، وتتضاءل الأفهام وتتعطر الأنسام، وتوزع الأقسام.... حيث تتلقى البشرى، وتنزل بها إلى دنيا الناس نصرًا مؤزرًا محققًا... لأولئك الذين نصروا الله فنصرهم الله إن الله لقوي عزيز.
{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ} [الأنفال: 7].
{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26].

ومع الدعاء المستجاب بالنصر: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد، خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة ثم انتبه فقال: "أبشر يا أبا بكر! أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه النقع".. عندما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النصر... لم يفته أن يدعو لهؤلاء النفر من المسلمين بخير الدنيا.... "اللهم إنهم جوعى فأشبعهم، اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، وكان له ما أراد؛ لأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، وهو الحريص عليهم ويعز عليه العنت الذي يصيبهم....
وَخَصَّكَ بِالْهُدَى في كُلِّ شَيْءٍ فَلَيْسَ تَشَاءُ إِلاَّ مَا يَشَاءُ


الاعتصام بالله تبارك وتعالى:
....."ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل أحبه، فإذا أحببته كنت يده التي يبطشن بها..."... من حديث قدسي... يتجلى تفسيره عمليًا واضحًا في غزوة بدر... فقد أكد المحاربون من المسلمين في هذه الموقعة أن رأس الكافر كانت تهوي إلى الأرض مفصولة عن جسده قبل أن يقع عليها سيفه... إنهم جند الرحمن... أو ذلك الصحابي الذي يهرع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثناء الموقعة ويقول له: لقد كسر سيفي من كثرة الطعن في الرقاب... فيعطيه الرسول قطعة من سعف النخيل "جريدة"، ويقول: اذهب واضرب بها أعناق الكفار.... ويأتي الصحابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الموقعة ويقول: "والله يا رسول الله! لقد كانت أحدَّ من السيف في قط أعناق الكفار...".

ويأخذ النبي صلى الله عليه وسلم حفنة من التراب ويقذف بها وجوه الأعداء وأبصارهم فتغشاهم فهم لا يبصرون.
{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]، {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 9-13].

التكتيك الحربي:
وما تشاؤون إلا أن يشاء الله....
الله أعلم حيث يجعل رسالته.....
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون.....
لذلك كان التخطيط لهذه المعركة لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأنه من حكيم حميد....
لم يكن تخطيط بشر وإنما الهدى هدى الله....

يتلخص في قول الحق تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّم وَبِئْسَ المَصِيرُ} [الأنفال: 15-16].

ويقول سبحانه وتعالى آمرًا المؤمنين بالثبات والصبر والاتحاد وعدم التنازع: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَه وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45-46].

ويأمرهم سبحانه وتعالى بالإعداد الكامل والاستعداد التام للمعركة.
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60].

ثم يوجه القول إلى قائد المعركة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسلوب رائع قدسي {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّه وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 64-66].

No comments: